قلنا: لا نسلم؛ فإن حكم الشيء حكم مثله عقلاً، وشرعًا، وعرفًا، فلما جاز ذلك في الأفعال القليلة، جاز في الأفعال الكثيرة أيضًا، فإن لم يفد هذا الكلام القطع بالجواز، فلا أقل من ألا يحصل معه القطع البديهي بالامتناع.
وأما الأمثلة التي ذكروها: فنقول: إن كان الحال فيها، كما هنا - احتاج الفرق بين القليل والكثير إلى دليل؛ وإلا فيمتنع القياس؛ على أنا قد بينا في هذا الكتاب: أن القياس لا يفيد اليقين ألبتة.
سلمنا أن الاتفاقي لا يدوم؛ ولكن إذا كان الاتفاقي ببعض الجهات معلوم السبب بسائر الجهات، أو إذا لم يكن؟!.
الأول ممنوع، والثاني مسلم:
بيانه: أن من الجائز أن يعلم الله تعالى: أن أكل الطعام الحلو في هذه السنة مصلحة للمكلفين، ويعلم أنهم خلقوا على وجهٍ لا يشتهون إلا الطعام الحلو، فإذا كان تناول الطعام الحلو مصلحًة طول عمره، لم يكن جهله بكون الفعل مصلحة - مانعًا له في هذه الصورة من الإقدام عليه في أكثر أوقاته.
سلمنا تعذر ذلك في الكثير؛ فلم لا يجوز في القليل؟ والإجماع الذي ذكروه ممنوع.
أما قوله ثانيًا: (التمييز بين الحسن والقبيح لابد وأن يتقدم على الفعل):
قلنا: لا نسلم.
وبيانه: بالوجهين المذكورين في الجواب عن الوجه الأول.
سلمنا ذلك؛ ولكنه حاصل هاهنا لأن الغرض أن يأمن المكلف من أن يفعل