فهذا تقرير هذا الحد الذي ذكره أبو الحسين -رحمه الله -.

واعلم: أن هذا يقتضى أن تكون الشريعة كلها استحسانًا؛ لأن مقتضى العقل هو البراءة الأصلية، وإنما يترك ذلك؛ لدليل أقوى منه، وهو نص، أو إجماع، أو قياس، وهذا الأقوى في حكم الطارئ لأول؛ فيلزم أن يكون الكل استحسانًا، وهم لا يقولون به؛ لأنهم يقولون: تركنا القياس للاستحسان، وهذا يقتضى أن يكون القياس مغايرًا للاستحسان، فالواجب أن يزاد في الحد قيد آخر؛ فيقال: (ترك وجه من وجوه الاجتهاد مغاير للبراءة الأصلية، والعمومات اللفظية، لوجه أقوى منه، وهو في حكم الطارئ على الأول).

إذا عرفت هذا، فنقول: اتفق أصحابنا على إنكار الاستحسان، وهذا الخلاف: إما أن يكون في اللفظ، أو في المعنى: لا يجوز أن يكون في اللفظ؛ لأنه قد ورد في القرآن، والسنة، وألفاظ سائر المجتهدين: هذه اللفظة.

أما القرآن: فقوله تعالى: {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: 172]، {فيتبعون أحسنه} [الرمز: 18].

وأما السنة: فقوله -عليه الصلاة والسلام -: (ما رآه المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن).

وأما ألفاظ سائر المجتهدين: فلأن الشافعي -رضي الله عنه -قال في باب المتعة: (أستحسن أن تكون ثلاثين درهمًا) وفي باب الشفعة: (أستحسن أن يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلاث أيام)؛ وقال في المكاتب: (أستحسن أن يترك عليه شيء).

فثبت بهذا: أن الخلاف ليس في اللفظ، وإنما الخلاف في المعنى؛ وهو أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015