أحدها: أن الأعرابي الجلف العامي كان يحضر، ويتلفظ بكلمتى الشهادة، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام -يحكم بصحة إيمانه، وما ذاك إلا التقليد.
وثانيها: أن هذه الدلائل لا يمكن الاطلاع عليها، إلا بعد ممارسة شديدة؛ وإنهم لم يمارسوا شيئًا من هذا العلم؛ فيمتنع اطلاعهم عليه، وإذا كان كذلك، تعين التقليد.
وثالثها: أنه -عليه الصلاة والسلام -لم يقل لأحد ممن تلفظ بكلمتي الشهادة: (هل علمت حدوث الأجسام، وأنه تعالى مختار، لا موجب -فدل هذا على أن خطور هذه المسائل بالبال، غير معتبر في الإيمان، لا تقليدًا، ولا علمًا.
ومنهم: من عول في هذه المسألة على طريقة أخرى؛ فقال: (أجمعت الأمة على أنه لا يجوز إلا تقليد المحق، لكن لا يعلم أنه محق إلا إذا عرف بالدليل أن ما يقوله حق، فإذن: لا يجوز له أن يقلد إلا بعد أن يستدل، ومتى صار مستدلا، امتنع كونه مقلدًا) فيقال لهم: هذا معارض بالتقليد في الشرعيات؛ فإنه لا يجوز له تقليد المفتي، إلا إذا كان المفتي قد أفتى؛ بناًء على دليل شرعي.
فإن قلت: (الظن فيه كاف؛ فإن أخطأ، كان ذلك الخطأ محطوطًا عنه):
قلت: فلم لا يجوز مثله في مسائل الأصول؟.
واعلم أن في هذه المسألة أبحاثًا دقيقة مذكورة في كتبنا الكلامية.
والأولى في هذه المسألة أن يعتمد على وجه، وهو أن يقال: دل القرآن على ذم التقليد في الشرعيات؛ فوجب صرف الذم إلى التقليد في الأصول، وإذا قد وفقنا الله تعالى بفضله؛ حتى تكلمنا في جميع أبواب أصول الفقه؛ فلتتكلم الآن فيما اختلف فيه المجتهدون أنه، هل هو من أدلة الشرع، أو ليس كذلك؟!.