قلنا: يجوز أن يقال في هذا المقام: لا يكفي في جواز إقدامه على الفتيا استحضاره للطريق الأول؛ لأن الله - تعالى - خالق للفكر على الدوام، والأوقات تختلف، قرب وقتٍ نهضت القريحة، ورب وقتٍ قصرت.
فمن المتعين في دفع التقصير النظر والفكر- بعد استحضار الطريق؛ لتوقع نوع من الاجتهاد لم يكن قد حضر له أولاً، وترك مثل هذا مع القدرة تقصير.
فإن الزمان الأول قد وقع فيه ما أمكن، والزمن الثاني لم يقع فيه فكر أصلاً، والفكرة مستجلبة لم تبعث بالفكر، ولم تشرع فيه.
والغالب في تجدد الزمان تجدد الفكر، ولذلك صار للعلماء الأقوال الكثيرة، والرجوع إلى الأقوال الأول، وانتشرت العلوم؛ فيتعين القول بالتقصير إذا أفتى من غير فكرٍ، وإن استحضر الطريق.
وقد قال الشيخ أبو إسحاق في (اللمع) في هذه المسألة: هل يفتي بالاجتهاد الأول، أو يحتاج إلى اجتهاد جديد؟.
فيه قولان:
والاحتياج هو الصحيح؛ لأن المصلى في اليوم الأول، لا يجوز له أن يصلى إلى الجهة التي عينها اجتهاد اليوم الأول؛ بل لابد من تجديد الاجتهاد.
قوله: (إذا تغير اجتهاده، الأحسن له أن يعرف الذي استفتاه ليرجع):
قلنا: قد تقدم - في نقض الاجتهاد - أن العامي يجب عليه ترك ما أفتاه، كمن قلد في الصلاة في القبلة، ثم تغير اجتهاده، والصورتان سواء، وهنالك قلتم بوجوب الرجوع، وهاهنا باستحبابه، فما الفرق والباب واحد؟