لابد أن يكون قبل نظر الناظر، بحيث إذا نظر فيه أفضى به إلى العلم بشيءٍ، أو الظن به؛ ليتميز عما ليس بمدركه؛ فإن النظر لا يكسب المنظور فيه صفة، بل يطلعه منه على ما منه يدل، فلابد أن يكون مقدمًا على نفس النظر، ولابد أن يرتبط ذلك الوجه بمتعين؛ ليتميز مدلوله عما ليس بمدلوله

الثالث: أن المجتهد إنما يعلل حكم النص، أو الإجماع، وهو حق متعين في حق كل أحد، فإذا أضافه إلى وصف، فإنما يضيفه إليه لصلاحية يعتقدها فيه، تقتضي الإضافة، وإذا وجد ذلك الوصف في موضع آخر، فإنما يعتقد ثبوت ذلك الحكم لثبوت تلك العلة.

ويعتقد لزوم ذلك الحكم لثبوت تلك العلة؛ لوجود الصلاحية المقتضية للعلية، فيكون المؤثر في الثبوت - أعني ثبوت الحكم الثبوت أعني ثبوت العلة - وفي الاعتقاد - أعني اعتقاد الحكم، واعتقاد العلة.

فعلى هذا إن كانت العلة متحققة في الفرع، فالحكم ثابت، وإلا فلا؟.

وإن كانت الصلاحية متحققة، كما ظن، فهو علة، وإلا فلا شك أن الأمر منحصر في أن تكون العلة موجودة، أو لا تكون؟ فيكون الحق واحدًا أبدًا. ولهذا لا يجد المجتهد لنفسه قصد إناطة الحكم به في حق نفسه على الخصوص، بل يسترسل في إضافة الحكم للوصف بما هو حكم في نفس الأمر منزل من الله تعالى.

وأما أن عليه دليلاً ظنيًا أن المجتهد ليس مأمورًا بالظفر به كيف كان، بل بطريقة حتى لو حاد عن الطريق، فظفر به اتفاقًا لم تعتبر إصابته. ولهذا لو أصاب القبلة لا عن نظرٍ في دليلها، بطلت صلاته، ولو أصاب الجاهل في الحكم نقض قضاؤه، ولا يجوز الاعتماد على فتواه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015