ولا يعني بالحد إلا هذا القدر، فما الدليل على الغاية؟ وليس الواقع حدا - في نفس الأمر بالنسبة إلى كل مجتهد.
قوله: (وجود المطلوب متقدم على الاستدلال بمراتب):
قلنا: الاستدلال: طلب دليل يترتب عليه حكم شرعي، فإذا عرض - بعد هذا الطلب - مقدمات وقعت في الذهن، حصل العلم بها متأخرًا عن وقوعها؛ لأن المقدمات خلق من خلق الله - تعالى - يخلقه في الذهن عقيب الطلب بجاري العادة، فإذا وقع الخلق حصل العلم بوجوده.
وتلك المقدمات يتبعها الحكم؛ لأن الله - تعالى - إنما يكلفه بما يقع في ظنه، فالظن سبب التكليف، والتكليف متأخر عنه، فالحكم الذي هو المطلوب متأخر عن الاستدلال بمراتب، لا أنه متقدم عليه بمراتب.
ولم يتقدم الحكم شيء ألبتة، إلا النسب الحاصلة بينه، وبين تلك المقدمات؛ لوجوب آخر النسبة عن طرفيها، وهذه بالنسبة ليست للاستدلال، بل متأخرة عنه، وعن وقوع المقدمات في الذهن.
وبهذا يبطل قوله: إن الاستدلال متوقف على وجود الدليل؛ لأن الاستدلال لطلب، والطلب إنما يتعلق بالمعدوم لا بالموجود، عكس ما قاله، بل لو وجد الدليل في الذهن استحال طلبه؛ لأنه تحصيل الحاصل.
نعم إن أراد أن في نفس الأمر دليلاً، المجتهد يطلبه، منعناه، بل لا دليل إلا ما يخلقه الله - تعالى - في جاري عادته في ذهن المجتهد عقيب الطلب أو متأخرًا عنه، وليس في نفس الأمر شيء.
قوله: (النظر في الأمارة متوقف على وجود المدلول بمراتب):
قلنا: لا نسلم: بل المدلول هو الحكم الشرعي، وهو عندنا مانع للظن، وليس - عندنا - في نفس الأمر دليل، ولا حكم إلا ما ثبت عند الظن في