وقال أبو على وأبو هاشمٍ: إنه لم يكن متعبدًا به، وقال بعضهم: كان له أن يجتهد في الحروب، وأما في أحكام الدين، فلا، وتوقف أكثر المحققين في ذلك.
أما المثبتون فقد احتجوا بأمورٍ:
أحدها: عموم قوله تعالى:} فاعتبروا يا أولي الأبصار {وكان - عليه الصلاة والسلام - أعلى الناس بصيرة، وأكثرهم اطلاعًا على شرائط القياس، وما يجب ويجوز فيها؛ وذلك إن لم يرجح دخوله في هذا الأمر على دخول غيره، فلا أقل من المساواة؛ فيكون مندرجًا تحت الآية، فكان مأمورًا بالقياس، فكان فاعلاً له، وإلا قدح في عصمته.
وثانيها: أنه إذا غلب على ظنه كون الحكم في الأصل معللاً بوصف، ثم علم أو ظن حصول ذلك الوصف في صورةٍ أخرى - فلابد أن يظن أن حكم الله تعالى في الفرع مثل حكمه في الأصل، وترجيح على المرجوح من مقتضيات بدائه العقول؛ على ما قررناه في (كتاب القياس) وهذا يقتضي أن يجب عليه العمل بالقياس.
وثالثها: أن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بالنص، فيكون أكثر ثوابًا؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - (أفضل العبادات أحمزها) أي: أشقها؛ ولو لم يعمل الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالاجتهاد، مع أن أمته عملوا به - كانت الأمة أفضل منه في هذا الباب وإنه غير جائزٍ.
فإن قلت: (فهذا يقتضي ألا يعمل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا بالاجتهاد؛ لأن ذلك أفضل):