ما لابد منه: فلا فرق بين الضروري والنظري فيه ألبتة؛ أما إذا كان الطريق الدال على وجود العلة ظنيا: فقد قيل: كلما كانت المقدمات المنتجة لذلك الظن أقل، كان القياس أقوى؛ لأن المقدمات، متى كانت أقل، كان احتمال الخطأ أقل، ومتى كان احتمال الخطأ أقل، كان ظن الصواب أقوى.

واعلم أن هذا الكلام على عمومه ليس بحق؛ لأن الظن يقبل التفاوت في القوة والضعف، فإذا فرضنا دليلاً كانت مقدماته قليلة، إلا أن كل واحدة منها كانت مظنونة ظنًا ضعيفًا، ودليلاً آخر ظنيًا معارضًا للأول مقدماته كثيرة إلا أن كل واحدة منها، كانت مظنونة ظنا قويا، فالقوة الحاصلة في أحد الجانبين بسبب قلة الكمية قد تصير معارضة من الجانب الآخر؛ بسبب قوة الكيفية، وقد تكون قوة الكيفية في أحد الجانبين، أزيد من قلة الكمية في الجانب الآخر؛ حتى إن الدليل الظني الذي يكون مركبًا من مائة مقدمةٍ قد يفيد ظنًا أقوى من الظن الحاصل من الدليل المركب من مقدمتين؛ فإذن لابد من اعتبار هذا التفصيل الذي ذكرناه.

إذا عرفت هذا، فنقول: الدليل الظني الذي يدل على وجود العلة: إما أن يكون نصًا، أو إجماعًا، أو قياسًا:

أما القياس: فالكلام فيه كما في الأول، ولا يتسلسل، بل ينتهي إلى النص، أو الإجماع.

أما النص: فطرق الترجيح فيه ما تقدم في القسم الثالث من هذا الكتاب.

وأما الإجماع: فإن كانا قطعيين، لم يقبل الترجيح، وإن كان أحدهما قطعيًا، والآخر ظنيًا، لم يقبل الترجيح؛ لأن الإجماع المعلوم مقدم على المظنون، أما إذا كانا مظنونين، فهذا يقع على وجهين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015