فلأن قوله: (بأمر جامع): دليل على أن هذا القائل يعتبر في حد القياس حصول الجامع، ومتى حصل الجامع، كان القياس صحيحًا، فيكون القياس الفاسد خارجًا عنه؛ وإنه غير جائز، بل يجب أن يقال: بأمر جامع في ظن المجتهد؛ فإن القياس الفاسد حصل فيه الجامع في ظن المجتهد، وإن لم يحصل في نفس الأمر.
التعريف الثاني: ما ذكره أبو الحسين البصري؛ وهو: (أنه تحصيل حكم الأصل في الفرع؛ لاشتباههما في علة الحكم، عند المجتهد) وهو قريب.
وأظهر منه أن يقال: (إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر؛ لأجل اشتباهما في علة الحكم عند المثبت) فلنفسر الألفاظ المستعملة في هذا التعريف.
أما الإثبات: فالمراد منه: القدر المشترك بين العلم، والاعتقاد، والظن، سواء تعلقت هذه الثلاثة بثبوت الحكم، أو بعدمه، وقد يطلق لفظ الإثبات، ويراد به الخبر باللسان؛ لدلالته على الحكم الذهني.
وأما المثل: فتصوره بديهي؛ لأن كل عاقل يعلم بالضرورة كون الحار مثلاً للحار في كونه حارًا ومخالفًا للبارد في كونه باردًا، ولو لم يحصل تصور ماهية التماثل والاختلافإلا بالاكتساب، لكان الخالي عن ذلك الاكتساب خاليًا عن ذلك التصور؛ فكان خاليًا عن هذا التصديق.
ولما علمنا أننا قبل كل اكتساب نعلم بالضرورة هذا التصديق المتوقف على ذلك التصور، علمنا أن حصول ذلك التصور غنى عن الاكتساب.
وأما الحكم: فقد مر في أول الكتاب تعريفه.