يستعملونها في معان مخصوصة؛ إما لأنهم نقلوها بحسب عرفهم إلى تلك المعاني، أو لأنهم استعملوها فيها على سبيل التجوز، ثم صار المجاز شائعا، والحقيقة مغلوبة؛ ولفظ (أخبرني، وحدثني) ها هنا كذلك؛ لأن هذا السكوت شابه الإخبار في إفادة الظن؛ والمشابهة إحدى أسباب المجاز.
وإذا كان هذا الاستعمال مجازا، ثم استقر عرف المحدثين عليه، صار ذلك كالاسم المنقول بعرف المحدثين، أو كالمجاز الغالب، وإذا ثبت ذلك، وجب جواز استعماله قياسا على سائر الاصطلاحات.
حجة المتكلمين: أنه لم يسمع من الراوي شيئا؛ فقوله: (حدثني، وأخبرني، وسمعت) كذب.
والجواب: ما تقدم من أنه بعد هذا النقل العرفي، لا نسلم أنه كذب.
المرتبة السادسة: المناولة: وهي أن يشير الشيخ إلى كتاب يعرف ما فيه، فيقول: قد سمعت ما في هذا الكتاب؛ فإنه يكون بذلك محدثا، ويكون لغيره أن يروي عنه، سواء قال له: (أروه عني) أو لم يقل له ذلك، فأما إذا قال له: (حدث عني ما في هذا الجزء) ولم يقل له: (قد سمعته) فإنه لا يكون محدثا له؛ وإنما جاز التحدث له، وليس له أن يحدث به عنه؛ لأنه يكون كاذبا.
وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور، فليس له أن يشير إلى نسخة أخرى من ذلك الكتاب، ويقول: (سمعت هذا) لأن النسخ تختلف، إلا أن يعلم أنهما متفقتان.
المرتبة السابعة: الإجازة، وهي: أن يقول الشيخ لغيره: (قد أجزت لك أن تروي ما صح عني من أحاديثي).