سلمنا إجماعهم على قبول الخبر الذي لا يعلم صحته؛ لكن دل على أنهم قبلوا جميع أنواع الخبر الذي يكون كذلك، أو على أنهم قبلوه في الجملة؟!.
والأول: ظاهر الفساد، والثاني: يقدح في غرضكم؛ لأنهم لما اتفقوا على قبول نوع من أنواع الخبر الذي لا تعلم صحته، لم يلزم من إجماعهم على قبول ذلك النوع إجماعهم على قبول سائر الأنواع؛ لاحتمال أن يأمر الله تعالى بالعمل بذلك النوع، دون النوع الآخر.
ثم إنه لما لم ينقل إلينا ذلك النوع الذي أجمعوا على قبوله، لم يعرف ذلك النوع.
فإذن: لا نوع من أنواع خبر الواحد إلا ولا يدرى أنه، هل هو ذلك النوع الذي أجمعوا على قبوله، أو غيره؛ وإذا كان كذلك، وجب التوقف في الكل.
سلمنا أن النوع الذي أجمعوا على العمل به معلوم؛ فلم قلت: إنه لما جاز لهم العمل بخبر الواحد، جاز لنا؟
بيانه: أن الصحابة كانوا قد شاهدوا الرسول-عليه الصلاة والسلام- وعرفوا مجارى كلامه، ومناهج أموره، وإشاراته، وعرفوا أحوال أولئك الرواة؛ في العدالة، وعدمها؛ في الأفعال الموجبة للعدالة، والأفعال المنافية لها.
وإذا كان كذلك، كان ظنهم بصدق تلك الأخبار، وعدالة الرواة-أقوى من ظن من لم يشاهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألبته، ولا سمع كلامه، ولم يشاهد حال أولئك الرواة، فلم يعرف عدالتهم، ولا فسقهم إلا بالروايات المتباعدة، والوسائط الكثيرة، وإذا كان كذلك؛ فلم قلت: إن انعقاد الإجماع على قبول الخبر الذي