ذكروا شيئًا سمعوه من الرسول-عليه الصلاة والسلام- لوجب من جهة العادة والدين: أن يظهروا ذلك.
أما العادة: فلأن الجمع العظيم، إذ اشتد اهتمامهم بأمر قد التبس، ثم زال اللبس عنهم فيه؛ لدليل سمعوه، أو لرأى حدث لهم فيه فإنه لا بد لهم من إظهار ذلك الدليل، والاستبشار بسبب الظفر به، والتعجب من ذهاب ذلك عليهم، فإن جاز في الواحد ألا يظهر له ذلك، لم يجز في الكل.
أما الدين: فلأن سكوتهم عن ذكر ذلك الدليل، وعملهم عند الخبر، بموجبه-يوهم أنهم عملوا؛ لأجله؛ كما يدل عليه عملهم بموجب آية سمعوها؛ على أنهم عملوا لأجلها؛ وإبهام الباطل غير جائز.
كما أنه لو، قال لهم قائل: (احكموا في هذه المسألة بمجرد شهوتي)، فتذكروا عند ذلك خبرًا سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يحسن من جهة الدين ألا يبينوا أنهم إنما حكموا؛ لذلك الدليل، لا لشهوة ذلك القائل.
الثاني: أن طلب أبي بكر من المغيرة-رضي الله عنهما- شاهدًا في إرث الجدة دليل على أنه كان يرى أن الحكم متعلق بروايتهما، ولأن عمر-رضي الله عنه-قال في الجنين: (لولا هذا، لقضينا فيه برأينا) وترك رأيه في دية الأصابع؛ بالخبر الذي سمعه، وصرح ابن عمر برجوعهم عن المخابرة بخبر رافع، وصرحوا بأنهم رجعوا إلى وجوب الغسل بالتقاء الختانين؛ لأجل قول عائشة-رضي الله عنها- فثبت بمجموع هذين المقامين: أن بعض الصحابة عمل بالخبر الذي لم يعلم صدقه.