قوله: (إن احتمال الاشتباه يمنع اليقين):
قلنا: إن أخبرونا أن هذا المشاهد هو الذي كنا شاهدناه لم يحصل العلم ليس لأجل ما ذكرتموه، بل لأن هذا عدم فيه شرط التواتر، فإنهم أخبروا عن غير محسوس؛ فإن كون هذا ذاك مما لا يستفاد بالحس، بل القرائن الحالية والعادية، فإن العلم حاصل بأن ولدي هذا هو الذي كنت أعلمه، ورأيته قبل هذا، والتشكيك في ذلك بهذه الاحتمالات العقلية لا يمنع حصول العلم العادي، وإن أخبرونا بأن المشاهد لهم قال كلاما هو كذا، فهذا لا يقدح فيه ما ذكرتموه من الاحتمال؛ لأنهم لم يتعرضوا إلى أن المخبر لهم هو الذي كان بالأمس.
فإن قلت: فالتواتر عن الرسل المعينة في الرسائل الربانية لا يتأتى إلا ببقاء أشخاصهم، والقطع بذلك، فكيف يحصل لنا العلم بأن الرسول المعين هو الذي قال هذا الكلام.
قلت: المدرك في ذلك ما تقدم من أن العلوم العادية لا تقدح فيها الاحتمالات العقلية، ونحن نقطع يقينا جازما بأن آباءنا وأبنائنا هم الذين كنا نشاهدهم بالأمس، وكلك مساكننا وكتبنا، وآلات بيوتنا، فضلا عن الرسل الكرام- صلوات الله عليهم أجمعين-، فكذلك نقطع بأن الذي نقل عنه أهل التواتر هو الرسول المعين.
فإن قلت: لو أخبرك من تعتقد فيه الولاية أن الله- تعالى- خرق له العادة في هذه الأمور، وأورد أنه يدل بظهورها على ذلك صدقناها كما في آية الصلب، فكيف دفعت القطع بالظن الناشئ عن ظاهر حال الولي، وظهور دلالة الآية، وكيف أمكن هجوم هذا الظن على النفس مع تكيفها باليقين السابق، والعادة تحيل ارتفاع الراجح عن النفس بالمرجوح لاسيما العلم بالظن؟.