إذا تقرر هذا، فالعلم بالمركب إنما يتوقف على العلم بمفرداته إذا كان تفصيليا، أما الإجمالى فلا، فكم في العالم من يعلم التِّريَاق والفاروق بالسماع، ولا يعرف أن حوائجه نَيِّف وسبعون حاجة، بل يعرف سقف بيته ولا يعرف عدد خشبه، ولا ما رُصَّ فيه من اللَّبِنِ، بل يعرف نفسه، ولا يعرف أن فيه خمسمائة عضلة تحركه، ولا عدد عظامه، وأوردته، وشرايينه، وغير ذلك من أجزائه، وهذه نفس الإنسان، فما ظنُّك بغيرها، نعم العلم التفصيلي متوقف، لكنه أطلق القول، فيرد عليه القسم الأول الإجمالى.
الثاني: أنه إذا سُلِّمَ له ما قال، واحتاج كما قال إلى معرفة الفقه، والأصل يلزمه أن الفقه جزء كما قال، وأن الحقيقة لا تثبت به، وأن الحقيقة لا تثبت بدون جميع أجزائها، فلا يسمى أحد أصوليا، إلا إذا قام به أصول الفقه، ومن جملة أجزائه الفقه، فلا يكون أحد أصوليا حتى يكن فقيها، وليس كذلك لإطباق أهل العرف علي قولهم: فلان أصولى، وليس بفقيه، وإنما يحتاج في الأصول إلى معرفة تصور أصل الأحكام الفقهية، أو التمثيل ببعض أفرادها، وذلك ليس كافيا في مسمى الفقه على ما يأتى في حد الفقه إن شاء الله تعالى.
الثالث: في قوله: من الوجه الذي يصح التركيب فيه، مع أن الجزء لا يقع التركيب فيه، بل منه، والذي يقع التركيب فيه إنما هو المركب لا مفرداته، فمقتضى قوله: أن يكون التركيب في الجزء، فيكون كل جزء مركبا، فيلزم التركيب في كل مركب من أجزاء لا نهاية لها، وهو محال لاقتضاء صيغته أن كل جزء وقع التركيب فيه.
الرابع: أن أصول الفقه مركب من المضاف الذي هو الأصول، ومن الفقه الذي هو المضاف إليه، فاللازم عن هذا التركيب معرفة الأصول، ومعرفة نسبته الخاصة إلى الفقه لا نفس الفقه، فالمضاف إليه لا يدخل في حقيقة المضاف، بل نسبته إليه فقط، فقوله بعد ذلك: فيجب علينا تعريف الأصل،