سلمنا أن (الوسط) من كل شيءٍ خياره؛ فلم قلتم: بأن خبر الله تعالى عن خيرية قوم يقتضي اجتنابهم عن كل المحظورات؟ ولم لا يجوز أن يقال: إنه يكفي فيه اجتنابهم عن الكبائر، فأما عن الصغائر، فلا.

وإذا كان كذلك، فيحتمل أن الذي أجمعوا عليه، وإن كان خطًأ، لكنه من الصغائر، فلا يقدح ذلك في خيريتهم، ومما يؤكد هذا الاحتمال: أنه تعالى حكم بكونهم عدولا، ليكونوا شهداء على الناس، وفعل الصغائر لا يمنع الشهادة.

سلمنا اجتنابهم عن الصغائر والكبائر، ولكن الله تعالى بين أن اتصافهم بذلك؛ إنما كان لكونهم شهداء على الناس، ومعلوم أن هذه الشهادة، إنما تكون في الآخرة، فيلزم وجوب تحقق عدالتهم هناك؛ لأن عدالة الشهود، إنما تعتبر حالة الأداء، لا حالة التحمل، وذلك مما لا نزاع فيه؛ لأن الأمة تصير معصومة في الآخرة، فلم قلتم: إنهم في الدنيا كذلك؟

سلمنا وجوب كونهم عدولا في الدنيا؛ لكن المخاطبين بهذا الخطاب هم الذين كانوا موجودين عند نزول هذه الآية؛ لأن الخطاب مع من لم يوجد بعد محال.

وإذا كان كذلك، فهذا يقتضي عدالة أولئك الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت، ولا يقتضي عدالة غيرهم.

فهذه الآية تدل على أن إجماع أولئك حق، فيجب ألا نتمسك بالإجماع إلا إذا علمنا حصول قول كل أولئك فيه، لكن ذلك يقتضي حصول العلم بأعيانهم، والعلم ببقائهم إلى ما بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما كان ذلك مفقودًا، تعذر التمسك بشيءٍ من الإجماعات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015