وإلا لكان كل من عصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مشاقًا له، بل هي عبارة عن الكفر به وتكذيبه، وإذا كان كذلك، لزم وجوب العمل بالإجماع عند تكذيب الرسول، عليه الصلاة والسلام، وذلك باطل؛ لأن العلم بصحة الإجماع متوقف على العلم بالنبوة، فإيجاب العمل به حال عدم العلم بالنبوة يكون تكليفًا بالجمع بين الضدين، وهو محال.
قلت: لا نسلم أنه إذا كان إتباع غير سبيل المؤمنين حرامًا عند المشاقة، كان إتباع سبيل المؤمنين واجبًا عند المشاقة؛ لأن بين القسمين ثالثًا، وهو عدم الإتباع أصلا.
سلمنا أنه يلزم وجوب أتباع سبيل المؤمنين عند المشاقة؛ لكن لا نسلم أنه ممتنع.
قوله: (المشاقة لا تحصل إلا عند الكفر به، وإيجاب العمل بالإجماع عند حصول الكفر محال):
قلنا: لا نسلم أن المشاقة لا تحصل إلا مع الكفر.
بيانه: أن المشاقة مشتقة من كون أحد الشخصين في شق، وكون الآخر في الشق الآخر، وذلك يكفي فيه أصل المخالفة، سواء بلغ حد الكفر، أو لم يبلغه. سلمنا أن المشاقة لا تحصل إلا عند الكفر، فلم قلت: إن حصول الكفر ينافي تمكن العمل بالإجماع؟
بيانه: أن الكفر بالرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يكون بالجهل بكونه صادقًا، فقد يكون أيضًا بأمورٍ أخر؛ كشد الزنار، وليس الغيار، وإلقاء المصحف في القاذورات، والاستخفاف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع الاعتراف بكونه نبيًا، وإنكار نبوته باللسان، مع