فعند الشافعي رضي الله عنه أن نهيه مخصوص بفعله في الصحراء؛ حتى يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البيوت لكل أحد.
وعند الكرخي رحمه الله: يجب إجراء النهي على إطلاقه في الصحراء والبنيان، فكان ذلك من خواص الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتوقف القاضي عبد الجبار في المسألة.
حجة الشافعي رضي الله عنه: أن النهي عام، ومجموع الدليل الذي يوجب علينا أن نفعل مثل ما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع كونه مستقبل القبلة في البنيان عند قضاء الحاجة أخص من ذلك النهي، والخاص مقدم على العام؛ فوجب القول بالتخصيص، والله أعلم.
أما إذا كان المعارض للفعل فعلًا آخر، فذلك على وجهين:
الأول: أن يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعلًا، يعلم بالدليل أن غيره مكلف به، ثم نراه بعد ذلك قد أقر بعض الناس على فعل ضده، فنعلم أنه خارج منه.
الثاني: إذا علمنا أن ذلك الفعل إنما يلزم أمثاله الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل تلك الأوقات، ما لم يرد دليل ناسخ، ثم يفعل عليه الصلاة والسلام ضده في مثل ذلك الوقت، فنعلم أنه كان قد نسخ عنه.
تنبيه
التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما لحقا ما دل على أن ذلك الفعل لازم لغيره، وأنه لازم له في مستقبل الأوقات.
وإنما يقال: إن ذلك الفعل قد لحقه النسخ، بمعنى: أنه قد زال التعبد بمثله، وأن التخصيص قد لحقه؛ على معنى أن بعض المكلفين لا يلزمه مثله، والله أعلم.