وأما من حيث الوضع الإلهي وما وضع الله- تعالى- في العالم من الأسرار، فهذا بمعزل عن الأحكام الشرعية، كما نقطع بأن الله- تعالى- خيرنا بين بناء دار في هذه البقعة، ودار في تلك البقعة، فإذا اخترنا أحدهما- والحكم في الجميع الإباحة بالإجماع- أمكن أن يقول صاحب الشرع أو المخبر عنه: أصبتم في اختيار هذه البقة للبناء، ولو اخترتم تلك البقعة، لكان الدار مشئومة، فإن الله- تعالى- قد وضع هذه مباركة، ووضع تلك مشئومة، كما جاز في الحديث: (إنما الشؤم في ثلاثة المرأة، والدار، والفرس).
فالحكم واحد، والعواقب مختلفة؛ إذ ليست من الأحكام الشرعية الخمسة، بل من أحكام القضاء والقدر، وهو قد يختلف فيه الواجبات والمحرمات، فقد يقدم اثنان على طاعة الله- تعالى- بوصف الوجوب، أو الندب، ويكون في القدر فتنة لأحدهما، ورحمة للآخر.
ويقدم اثنان على معصية الله- تعالى- بوصف التحريم، وتكون المعصية هلاكًا لأحدهما، ورحمة في حق الآخر، باعتبار ما يترتب عليهما من الندم، والتوبة، والإنابة، وغير ذلك.
وأحكام العواقب غير الأحكام الشرعية، فتأمل ذلك، فلم يرد نقض على هذه القاعدة.