ولهذا نجد الشاطبي قد بنى عليه فتواه في تجويز ما كان يفعله الناس من خلط ألبانهم للاشتراك والتعاون على استخلاص جبنها، تجنبًا لكثرة المشقة والكلفة1 مع أن هذا العمل-كسابقه- لا يخلو من غبن وتفاضل. وقد ختم الشاطبي فتواه بقوله: "والظاهر جوازه عملًا بهذا الأصل المقرر في المذهب"، مما يؤكد أن هذا المسلك الاستصلاحي عريق في المذهب المالكي.

وقد قرر الشاطبي هذه الحقيقة في موضع آخر، فقال عن منهج الإمام مالك، في تقرير الأحكام المتعلقة بقسم المعاملات والعادات: "فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، نعم، مع مراعاة مقصود الشارع أن لا يخرج عنه، ولا يناقض أصلا من أصوله"2.

وقبل الشاطبي نجد القاضي عياضًا، يسجل أن أحد الاعتبارات المرجحة لمذهب مالك، هو النظر المصلحي، القائم على مقاصد الشريعة وقواعدها، فيقول: "الاعتبار الثالث: يحتاج إلى تأمل شديد، وقلب سليم من التعصب سديد، وهو الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها"3.

ويميل أحد الباحثين المعاصرين -وهو الدكتور محمد المختار ولد أباه- إلى اعتبار هذه الميزة، هي أهم مميزات المذهب المالكي"4.

وإذا كان الإمام الشافعي قد تردد في أخذه بالمصلحة5، والإمام أبو حنيفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015