مضارهم، ورأوا أن المصلحة نوعان: أخروية، ودنيوية، جعلوا الأخروية: ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم. وجعلوا الدنيوية: ما تضمن حفظ الدماء، والأموال، والفروج، والعقول، والدين الظاهر. وأعرضوا عن العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وأحوال القلوب وأعمالها: كمحبة الله, وخشيته، وإخلاص الدين له، والتوكل عليه، والرجا لرحمته ودعائه، وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة. وكذلك فيما شرعه من الوفاء بالعهود، وصلة الأرحام، وحقوق المماليك والجيران، وحقوق المسلمين بعضهم على بعض، وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه: حفظًا للأحوال السنية، وتهذيب الأخلاق، ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح"1.
وهذا النص -لا شك- يشير تساؤلات عدة، ويستدعي تعليقًا مطولًا، ونقاشًا مفصلًا. ولكني في هذا الفصل المدخل، أعرض أكثر مما أعلق وأناقش. وقد قدمت من قبل إشارة تتعلق بإمكان المراجعة لما ساد عند الأصوليين من حصر المقاصد الضرورية في الخمس المعروفة. وإيرادي لنص ابن تيمية هو إشارة أخرى في الموضوع2. والمسألة تحتاج إلى بحث خاص.
وأخيرًا، فإن ما قلته عن القرافي مع شيخه ابن عبد السلام يصدق تمامًا على ابن القيم "ت 751" مع شيخه ابن تيمية.
على أن أمامنا مناسبات أخرى لا يراد بعض أقوال الرجلين والتعرف على بعض عطائهما في الموضوع.