أخذ الأصوليون يصرحون بانحصار الضروريات في هذه الخمسة، وأن الاستقراء دل على ذلك، بينما الإمام الغزالي -الذي سمى هذه الضروريات- اقتصر على حصرها ضمنيا، ولم يصرح بذلك.

وعلى كل، فحصر الضروريات في هذه الخمسة، وإن كان قد حصل فيه ما يشبه الإجماع، يحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة، وليس هذا مقام ذلك. وقد تأتي إشارات أخرى، في مواضع قادمة من هذا البحث إن شاء الله تعالى.

وبعد الرازي والآمدي، توقفت عقارب الساعة, وأصحبت التآليف الأصلية التقليدية1 عبارة عن مختصرات لما سبق، وشروح للمختصرات، وتلخيصات للشروح، وتعليقات على التلخيصات. وقد يجهد أحدهم نفسه فيحول بعض ذلك نظمًا، ثم يتطوع آخر -أو هو نفسه- فينشر ذلك النظم.

وهكذا حتى نصل إلى "جمع الجوامع"، أو -على الأصح- إلى "جمع الموانع"، أعني موانع التجديد والتغيير والمراجعة والتقدم العلمي وموانع حتى من التعامل المباشر مع مؤلفات المتقدمين، فلم يبق بعد "جمع الجوامع" إلا حفظه والتحشية عليه.

ابن الحاجب "ت 646":

وهو دائر في فلك الآمدي، يقول: "والمقاصد ضربان: ضروري في أصله، وهي أعلى المراتب كالمقاصد الخمسة التي روعيت في كل ملة: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وغير ضروري، وهو ما تدعو الحاجة إليه في أصله، كالبيع والإجارة"2.

وعندما تعرض للترجيحات، نص على ترجيح الضروريات على الحاجيات. إلى آخر ما عند الآمدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015