وكون النصوص والأحكام ينبغي أن تؤخذ بمقاصدها دون الوقوف عند ظواهرها وألفاظها وصيغها، يستند إلى ما تقرر في مسألة التعليل، من كون نصوص الشريعة وأحكامها معللة، بمصالح ومقاصد وضعت لأجلها. فينبغي عدم إهمال تلك المقاصد ولا الغفلة عنها عند تقرير الأحكام، وعند النظر في النصوص.

ومن هذا الباب -إضافة إلى ما مضى من أمثلة- ما قرره أبو زيد الدبوسي "ت432"، حيث قال: "الأصل عند علمائنا1 أن من وجبت عليه الصدقة، إذا تصدق على وجه يستوفي به مراد النص منه أجزأه عما وجب عليه. وعند2 لا يجزيه. قال أصحابنا: إذا وجبت الزكاة في الدراهم، فأدى بدلها حنطة أو غيرها، جاز عندنا، لأن مراد النص سد خلة الفقير ودفع حاجته وقد حصل. وعند الإمام أبي عبد الله الشافعي لا يجوز"3.

وقد طرد هذا الأصل في جميع الواجبات المالية، من زكاة فطر، أو كفارات أو نذور، بحيث تقوم الأموال بعضها مقام بعض بشرط التعادل وعدم الإضرار بحق الأخذ.

وعلى هذا الأصل مضى ابن القيم في عدد من اجتهاداته، فقد قال عن صدقة الفطر التي فرضها النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر أو صاعًا من زبيب أو صاعًا من أقط، قال: "وهذه كانت غالب أقواتهم بالمدينة، فأمل أهل بلد أو محلة قوتهم غير ذلك، فإنما عليهم صاع من قوتهم. إذ المقصود سد خلة المساكين يوم العيد"4.

ومثل هذا قاله في مسألة التصرية5، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على رد صاع من تمر مقابل ما حلب. وبناء على لفظ الحديث ذهب أكثر الشافعية والحنابلة إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015