إقامة وظيفة الطهارة، فإن الأسفار كثيرة الوقوع في أطوار الناس1، وإعواز الماء فيها ليس نادرًا. فلو أقام الرجل الصلاة من غير طهارة، ولا بدل عنها، لتمرنت نفسه على إقامة الصلاة من غير طهارة. والنفس ما عودتها تتعود. وقد يفضي ذلك إلى ركون النفس إلى هواها، وانصرافها عن مراسم التكليف ومغزاها"2.

ومن تنبيهاته على أهمية مراعاة المقاصد، أنه -في سياق الرد على الكعبي المعتزلي الذي اشتهر بإنكار المباح في الشريعة3- قال: "ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي، فليس على بصيرة في وضع الشريعة"4.

غير أن أهم ما أسهم به أبو المعالي في لفت الانتباه إلى مقاصد الشريعة، وفي تحريك الكلام فيها، هو ما أورده في باب: تقاسيم العلل والأصول، من كتاب القياس5.

فبعد أن عرض آراء العلماء فيما يعلل وما لا يعلل من أحكام الشرع، وذكر نماذج لتعليلاتهم، وأثر كل ذلك في إجراء الأقيسة في الأحكام قال: "هذا الذي ذكره هؤلاء أصول الشريعة. ونحن نقسمها خمسة أقسام"6.

وظاهر من عبارته الإشعار بأن هذا التقسيم من وضعه، وأنه غير مسبوق به. وقبل أن أذكر تقسيمه الخماسي للعلل والمقاصد الشرعية، أشير إلى أنه أتى به ليبين من خلاله ما يصح إجراء القياس فيه وما لا يصح. أما الأقسام الخمسة للعلل -أو التعليلات- الشرعية، فهي:

- القسم الأول: ما يتعلق بالضرورات، مثل القصاص، فهو معلل بحفظ الدماء المعصومة، والزجر عن التهجم عليها7.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015