أهمية الاستقراء في نظر الشاطبي:
في المقدمة الأولى من المقدمات الثلاث عشر لكتاب الموافقات ينص الشاطبي على أن أصول الفقه "أي الأسس والكليات التي ينبني عليها" لا بد أن تكون قطعية، ولا يقبل فيها الظن. والدليل على ذلك: "الاستقراء المفيد للقطع"1 لأن كليات الشريعة لا تستند إلى دليل واحد، بل إلى مجموعة أدلة، تواردت على معنى واحد، فأعطته صفة القطع. "وتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا. وأيضًا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي2.
ومن هنا كان الشاطبي حريصًا على نشدان الأدلة الاستقرائية لما يقوله ولما يقرره. وكان يرى أن هذه إحدى أبرز سمات كتابه. وإلى هذا يشير بقوله: "وإنما الأدلة المعتبرة هنا: المستقرأة من جملة أدلة ظنية، تضافرت على معنى واحد، حتى أفادات القطع"3.
ثم يذكر هذه المزية لكتابه صراحة، في قوله: "فكذلك الأمر في مآخذ الأدلة في هذا الكتاب"4.
وفي مكان متأخر من الموافقات يعود لتذكيرنا بهذه الميزة لكتابه. وبعبارة أصرح: "ومر أيضًا بيان كيفية اقتناص القطع من الظنيات. وهي خاصة هذا الكتاب لمن تأمله، والحمد لله"5.
وممن تأملوه. وأكدوا هذه الخاصية فيه، الشيخ عبد الله دراز وهو ممن درسوا الموافقات دراسة دقيقة كاملة، وقد نوه6 بطريقة الشاطبي في كونه "يتتبع الظنيات