رجع اللوم والمؤاخذة عليه. ألا ترى أنهم يضمنون الطبيب والحجام والطباخ، وغيرهم من الصناع، إذا ثبت التفريط من أحدهم، أما بكونه غر من نفسه، وليس بصانع، وأما بتفريط، بخلاف ما إذا لم يفرط، فإنه لا ضمان عليه.

فمن التفت إلى المسببات من حيث كانت علامة على الأسباب في الصحة أو الفساد، لا من جهة أخرى1، فقد حصل على قانون عظيم يضبط به جريان الأسباب على وزان ما شرع أو على خلاف ذلك. ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع، دليلا على ما في الباطن. فإن كان الظاهر منخرمًا، حكم على الباطن بذلك. أو مستقيمًا حكم على الباطن بذلك أيضًا. وهو أصل عام في الفقه وسائر الأحكام العاديات والتجريبيات. بل الالتفات إليها من هذا الوجه نافع في جعله الشريعة جدا. بل هو كلية التشريع، وعمدة التكليف، بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية، الخاصة والعامة2.

وأخيرًا، فإن الشاطبي -كما أشرت من قبل- لم يغفل عن كونه وجه المسألة وجهتين مختلفتين -إن لم نقل متناقضتين- تقتضي أولاهما صرف النظر والقصد عن المسببات، وتقتضي الثانية الالتفات إليها وإدخالها في الاعتبار، عند ممارسة الأسباب. بل لقد أورد على نفسه السؤال والاستشكال: "فإن قيل".

وللخروج من تعارض الوجهين، وضع ضابطًا للتميز بين الحالات التي ينبغي فيها الالتفات إلى المسببات، لما في ذلك من المصلحة، والحالات التي لا ينبغي فيها ذلك، لما فيه من المفسدة. فقال: "إن كان الالتفات إلى المسبب من شأنه التقوية للسبب، والتكملة له، والتحريض على المبالغة في إكماله، فهو السبب الذي يجب المصلحة، وإن كان من شأنه أن يكر على السبب بالإبطال، أو بالإضعاف، أو بالتهاون به، فهو الذي يجلب المفسدة3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015