وأما ارتباطها بالمقاصد، فهو من حيث قصد الشارع، وقد المكلف، في الأسباب والمسببات، غير أن ارتباطها بمقاصد المكلف أكثر.
وقيل التطرق إلى ما يهمنا من الموضوع، أشير إلى أن الشاطبي، وإن كان قد قسم الأسباب -وسائر الأحكام الوضعية- إلى ما هو مقدور للمكلف، وإلى ما ليس في مقدوره، فإنه ركز في "مسائله" الثلاث عشرة -المخصصة للأسباب- على الأسباب المقدورة للمكلفين.
ومن هذه الأسباب التي تتركز حولها مسائله وتقريراته:
الكسب "من بيع وشراء، وزراعة، واحتراف" باعتباره سببًا في إقامة الحياة، وسببًا في صحة الأملاك، وسببًا في حلية الاستمتاع.
النكاح، باعتباره سببًا في حلية استمتاع الزوجين أحدهما بالآخر، وسببًا في التناسل، وسببًا للتوارث بينهما، وسببًا في حرمة المصاهرة.
وكما بنى تقريراته وقواعده على مثل هذه الأسباب المشروعة، فإنه بنى ذلك أيضًا على الأسباب الممنوعة، مثل القتل، والزنى، والغصب. فكل هذه أسباب يترتب عنها كثير من الأحكام والآثار، أي: المسببات.
وأنتقل إلى القواعد والأحكام، التي قررها بمقتضى النظر المقاصدي:
فمن ذلك أن الشارع بوضعه للأسباب، يكون قاصدًا إلى مسبباتها، وبتعبيره هو: "وضع الأسباب يستلزم قصد الواضع إلى المسببات، أعني الشارع1 وذلك لأنه لا يعقل أن يضع الأسباب، دون أن يقصد نتائجها.
وقد تقرر في المقاصد "أن الأحكام الشرعية إنما شرعت لجلب المصالح أو درء المفاسد، وهي مسبباتها قطعًا. فإذا كنا نعلم أن الأسباب إنما شرعت لأجل المسببات، لزم من القصد إلى الأسباب، القصد إلى المسببات"2. فمشروعية الأسباب تدلنا على قصد الشارع إلى مسبباتها "نتائجها".