وحفظ النسل، أيضًا، جاء بمكة، بتحريم الزنى، والأمر بحفظ الفروج عن الحرام.

وكذلك حفظ المال، يحققه ما جاء في المكي من تحريم الظلم، وأكل مال اليتيم والإسراف، والبغي، ونقص المكيال والميزان، والفساد في الأرض.

ومن هذا الباب أيضًا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما ضروريان لحفظ الأصول المتقدمة، قد جاء النص عليهما بمكة، كما في الآية: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 1. وما الجهاد الذي شرع بالمدينة إلا فروع من فروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر2.

وعندما انتقل إمامنا أبو إسحاق، إلى موضوع "النسخ"، استصحب معه مقاصده وكلياته: فأعاد التذكير -في المسألة الأولى من مسائل النسخ- بأن "القواعد الكلية هي الموضوعة أولا، والتي نزل بها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم تبعها أشياء بالمدينة، كملت بها القواعد التي وضع أصلها بمكة3.

وليس هذا من الشاطبي مجرد تكرار لفكرته عن التشريع بين المكي والمدني، على أهميتها، وإنما أعاد الفكرة هنا، وفصل فيها أكثر، لما يريد أنه يبينه عليها في موضوع النسخ، وذلك قوله -في المسألة الثانية-: "لما تقرر أن المنزل بمكة من أحكام الشريعة هو ما كان من الأحكام الكلية، والقواعد الأصولية في الدين، على غالب الأمر، اقتضى ذلك أن النسخ فيها قليل لا كثير4. لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعًا، وإن أمكن عقلًا.

ويدل على ذلك الاستقراء التام، وأن الشريعة مبينة على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وجميع ذلك لم ينسخ منه شيء، بل إنما أتى بالمدينة ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015