الحكمة أكثر مما يستعملون لفظ المقصد. ومن أمثلة ذلك قول ابن فرحون يحدد مقاصد القضاء: "وأما حكمته: فرفع التهارج، ورد التواثب، وقمع المظالم، ونصر المظلوم، وقطع الخصومات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قاله ابن راشد وغيره"1.
فذكر الفقهاء -أو غيرهم- للحكمة، هو ذكر لمقصود الشارع. ولهذا قال الونشريسي: "والحكمة في اصطلاح المتشرعين هي المقصود من إثبات الحكم أو نفيه، وذلك كالمشقة التي شرع القصر والإفطار لأجلها"2.
وقد يبدو في هذا الكلام شيء من الأشكال، وهو: هل المشقة حكمة ومقصود؟ والجواب أن الكلام فيه حذف. ومراده أن رفع المشقة عن المسافر هو مقصود الحكم وحكمته. وقد نبه على هذا، الأصولي الحنفي، شمس الدين الفناري فقال: "أما ما يقال في رخص السفر: إن السبب السفر، والحكمة المشقة، وأمثاله، فكلام مجازي. والمراد: أن الحكمة الباعثة دفع مشقة السفر3.
ويؤكد الشيخ بدران أبو العينين بدران، هذا التطابق بين مقصود الحكم وحكمته في اصطلاح الفقهاء -وغيرهم- فيقول: "على أن جمهور الفقهاء كانوا يذهبون في اجتهاداتهم إلى أن ما شرعه الله من أحكام، لم يشرعه الله إلا لمصلحة جلب منفعة لهم، أو دفع مضرة عنهم. فلهذا كانت تلك المصلحة هي الغاية المقصودة من التشريع. وتسمى حكمة"4. ثم قال: "أما حكمة الحكم، فهي الباعث على تشريعه، والمصلحة التي قصدها الشارع من شرعه الحكم"5.
وقد تتبع الدكتور عبد العزيز الربيعة، استعمال لفظة الحكمة، عند الأصوليين، فلاحظ أنها تطلق عندهم بإطلاقين: