"ثم وصلني بعد ذلك أنكم أخرتم عن الإمامة بموضعكم وتقديم غيركم. وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم. وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا. وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعملون"1.
وقد حث الشاطبي صاحبه على الاستمرار في إعلان الحق وأداء أمانة العلم ما دام يجد له قابلا، ويرى لذلك أثرًا، فقال: "وقد ظهر لكلامكم في كثر من هذه الأمور أثر2 صالح، فكيف لنا بالسكوت عن الحق! هذا لا يسمع حتى لا تجد أحدًا يقبل الحق، عياذًا بالله من ذلك الزمان أن نصل إليه"3.
وبلغه عن بعض أصحابه أنه ترك السنة بعد أن كان التزمها، وعاد إلى مسايرة الجمهور في بدعته، فكتب إليه في ذلك كتابًا جاء فيه "فإن كان ذلك لأنكم ظهر لكم الصواب فيه، فما بالكم لم تعرفوا محبكم بوجه صوابه، فيكون تعاونًا على البر والتقوى. وإن كان ذلك لأجل المعيشة، فقد اتهمتم الرب سبحانه في ضمان الرزق، أو لغير ذلك، فعرفوني به"4.
ثم قال الونشريسي: "وكان رحمه الله يحمل أصحابه على الصبر على البلاء في بث الحق، ويقوي عزيمتهم:
كتب إليه بعض أصحابه متشكيًا بما لقيه في هذا الغرض، فأجابه: فلا عليكم، فإن الله معكم ما قصدتم وجه الله بأعمالكم، وثابرتم على اتباع الحق والمشي على طريق الصواب. ورضي المخلوق لا يغني من الله شيئًا. والله سبحانه يتولاني وإياكم بما تولى به عباده الصالحين"5.