فلما انقضى عصرهم، وخلف من بعدهم التابعون، اتبع أهل كل عصر فُتْيَا من كان عندهم من الصحابة، لا يتعدونها إلا في اليسير مما بغلهم عن غيرهم. فاتبع أهل المدينة في الأكثر فتاوى عبد الله بن عمر، وأهل الكوفة فتاوى عبد الله بن مسعود، وأهل مكة فتاوى عبد الله بن عباس، وأهل مِصْرَ فتاوى عبد الله بن عمرو بن العاص (?).

وأتى بعد التابعين فقهاء الأمصار، كأبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن ذكرناهم، فاتبع أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مذهب فقيه في الأكثر.

ثم قضت أسباب بانتشار بعض هذه المذاهب في غير أمصارها، وبانقراض بعضها، فلم يطل العمل بمذهب الثوري والبصري لقلة أتباعهما، وبطل العمل بمذهب الأوزاعي بعد القرن الثاني، وبمذهب أبي ثور بعد الثالث، وابن جرير بعد الرابع (?).

كما انقرض غيرها من المذاهب، إلا الظاهري فقد طالت مدته، وزاحم المذاهب الأربعة المذكورة، بل جعله المقدسي في " أحسن التقاسيم " رابع المذاهب في زمنه - أي في القرن الرابع - بَدَلَ الحنبلي وذكر الحنبلية في أصحاب الحديث. وَعَدَّهُ ابن فَرْحُونْ في " الديباج " الخامس من المذاهب المعمول بها في زمنه أي في القرن الثامن ثم دَرَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلا المذاهب الأربعة، ومذاهب أخرى خاصة بطوائف من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015