ومما يؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان يخلق في القلوب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم» (?).

فمهما تقدم عمر المرء، ومهما ارتقى في سلم المسئولية، فلابد له من الاستمرار في التربية حتى يستمر قيامه بحقوق العبودية لله عز وجل.

(إن القلب البشري سريع التقلب، سريع النسيان، وهو يشف ويشرق فيفيض بالنور .. فإذا طال عليه الأمل بلا تذكير ولا تذكُّر، تبلد وقسا، وانطمست إشراقته، وأظلم وأعتم، فلا بد من تذكير هذا القلب .. ولابد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة) (?).

وأما النفس فهي كالأسير الذي يحاول مقاومة الأسر، فإن أسَرْتَه فلابد من اليقظة الدائمة معه حتى لا يفلت منك ويأسرك ويجعلك طوع أمره.

والعقل أيضًا يحتاج باستمرار إلى تزويده بالعلم النافع حتى تتسع مداركه، وتُفتح نوافذه، فتزداد معرفته بربه، وما يُقربه إليه {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

ثالثا: ومن الضوابط الحاكمة للعملية التربوية كذلك ضرورة أن تشمل التربية الجوانب الأربعة للشخصية، فأي إهمال لجانب منها يؤدي إلى عدم ظهور ثمرة التربية الصحيحة (فعندما يحصل اهتمام بتحصيل العلم، دون الاهتمام بزيادة الإيمان، فستكون النتيجة المتوقعة: شخص كثير التنظير، حافظا للنصوص، كثير الحديث عن القيم والمبادئ، والمعاني العظيمة، لكنك قد تجد في المقابل واقعًا يختلف عن الأقوال، فهو يتحدث عن العدل والمساواة، بينما لا يتعامل مع الآخرين بهذه القيم، وبخاصة مع من يرأسهم .. يتحدث عن الزهد في الدنيا وأهمية العمل للآخرة، في حين تجده يحرص على جمع المال، وينفق منه بحساب شديد، ويدقق في كل شيء مهما كان صغيرًا.

كل هذا وغيره بسبب عدم الاهتمام بالإيمان بنفس درجة الاهتمام بالعلم، فالذي يُقرب المسافة بين القول والفعل، ويُترجم العلم إلى سلوك هو: «الطاقة والقوة الروحية المتولدة من الإيمان».

أما عندما يتم الاهتمام بالإيمان دون العلم فستجد أمامك شخصًا جاهلًا، يتشدد فيما لا ينبغي التشدد فيه، ويترخص فيما لا ينبغي الترخص فيه .. ستجد شخصًا ضيق الأُفق لا يستطيع أن يتعامل مع فقه الواقع ومستجدات العصر.

وفي حالة الاهتمام بالعلم والإيمان مع عدم الانتباه للنفس، وإهمال تزكيتها، فسيكون النتاج: شخصًا كثير العبادة، كثير المعلومات، سبَّاق لفعل الخير وبذل الجهد، لكنه متورم الذات، يرى نفسه بعدسة مكبِّرة، ويرى غيره بعكس ذلك، لأن عبادته وأوراده وبذله - في الغالب - ستغذي إيمانه بنفسه وبقدراته، وأنه أفضل من غيره، فيتمكن منه - بمرور الأيام واستمرار الإنجازات و النجاحات - داء العُجْب، ومن وراءه الغرور والكبر والعياذ بالله، فيُعرِّض نفسه لمقت ربه وحبوط عمله.

ومع ضرورة الاهتمام بالتربية المعرفية والإيمانية والنفسية تأتي كذلك أهمية التعود على بذل الجهد في سبيل الله، وفي دعوة الناس إليه، فلو لم يتحرك المسلم، ويُعلّم الناس ما تعَلّمه، ويأخذ بأيديهم لتغيير ما بأنفسهم - بإذن الله - فإنه سيصاب بالفتور والخمول والكسل، ولن يدرك أسرار الكثير من المعاني التي يتعلمها، وقبل ذلك فإن الواجب الشرعي والواقع الأليم الذي تحياه أمتنا يُحتِّمان عليه فعل ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015