الفصل الأول
ضرورة التكامل التربوي عند المسلم، ومكانة التربية الإيمانية منه *
خلق الله عز وجل الإنسان بتكوين يشمل أربعة جوانب رئيسية هي: العقل، والقلب، والنفس، والجسد.
وعندما يبدأ الإنسان رحلته على الأرض منذ نزوله من بطن أمه، فإنما يبدأها بهذه المكونات الأربعة وهي غير مكتملة النمو، فقد جعلها - سبحانه - تبدأ صغيرة محدودة الإمكانات، وأودع فيها خاصية النماء: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل/78].
هذه الجوانب الأربعة تحتاج إلى دوام تعاهد وإمداد يترك فيها أثره الدائم في اتجاه تحقيق الهدف من وجود الإنسان على الأرض ألا وهو: تحقيق العبودية الصحيحة لله عز وجل.
ولكي يظهر الأثر الإيجابي الدائم في كل من هذه الجوانب كان من الضروري سلوك طريق التربية.
فالتربية كما يقول الإمام البيضاوي: هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا (?)، ويمكن تعريفها كذلك بأنها الأداة التي تقوم بإحداث تغيير أو أثر دائم في الشيء.
لذلك فإن من أهم أهداف التربية الإسلامية الصحيحة هو: إحداث أثر إيجابي دائم في المكونات الأربعة للإنسان، ينتج عنه تغيير حقيقي في ذاته ليشمل: المفاهيم والتصورات في العقل، وإصلاح الإيمان في القلب، وتزكية النفس وترويضها على لزوم الصدق والإخلاص والتواضع ونكران الذات.
ويشمل كذلك ضبط حركة المرء والتعود على بذل الجهد في سبيل الله عز وجل، لتكون ثمرة هذا التغيير - في هذه المحاور - تنشئة المسلم الصالح المصلح الذي تتأسس عليه الأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم ...
هناك عدة أمور ينبغي مراعاتها عند الحديث عن «التربية». وضرورتها في تغيير الفرد والأمة.
أولًا: أن يتم تبنِّيها كثابت رئيسي ومتفرد للتغيير الحقيقي، فلئن كان تغيير وضع الفرد أو الأمة من السيئ للأحسن مرتبط بتغيير ما بالنفس كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد/11].