الرحمن: "أرى قد أتينا ما نهى الله عنه {وَلا تَجَسَّسُوا} فقد تجسسنا" فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم1.
وفى رواية أن عمر رضي الله عنه كان يمر ليلة في المدينة فسمع صوتا في بيت فارتاب في أن صاحب الدار يرتكب محرما، فتسلق المنزل وتسور الحائط ورأى رجلا وامرأة ومعهما زق خمر فقال: "يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصية"، وأراد أن يقيم عليه الحد فقال الرجل: "لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت قد عصيت الله في واحدة فقد عصيته أنت في ثلاث فقال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} وأنت تجسست. وقال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (البقرة: 189) . وأنت تسورت وصعدت الجدار ونزلت. وقال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} . (النور: 27) . وأنت لم تسلم". فخجل عمر وبكى وقال للرجل: "هل عندك من خير إن عفوت عنك" قال: "نعم". فقال: "اذهب فقد عفوت عنك"2.
معنى ذلك أن صاحب الدار دفع بعدم مشروعية الدليل. فقد ضبط بالفعل متلبسا بجريمة شرب الخمر ولكن هذا الضبط كان وليد إجراءات غير مشروعة، وهو التجسس وتسور الحائط وعدم السلام، وقد أخذ عمر واقتنع بصحة الدفع وترك الرجل، وليست المسألة أن عمر أراد أن يجري مقاصة بين ما ارتكبه صاحب الدار وما ارتكبه هو وعفا عنه لذلك، لأنه لا يملك العفو عن الحد، بل إنه أسقط الدليل المستمد من الواقعة بعد تبينه أنه وليد إجراءات غير مشروعة.
الثالثة: "الأصل في الذمة البراءة"3 معنى ذلك أنه ما لم يثبت بطريق من طرق الإثبات أن الشخص معتد أو غاصب فالأصل براءته، فهذه قاعدة وأصل مقرر في الفقه الإسلامي.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد حتى يرضى ...