محل النزاع، فوجود بصمة الشخص في محل الجريمة مثلا لا تعني دائما أن صاحب البصمة هو الجاني لاحتمال أن يكون القاتل غيره كما إذا وجده مقتولا فأراد أن يتبين فصار لامسا للقتيل أو كان حاملا له بقصد إسعافه، أو كان مدافعا عن نفسه وغير هذا من الاحتمالات.
ثم إنه لما كان قول الخبير شهادة يستعين به القاضي في الدعوى القائمة كما أسلفت، وجب أن يراعى في هذا المقال الشبُه التي تردّ الشهادة فيجب ألا يكون الخبير الذي قدم تقريره في الدعوى قريبا لأحد الخصوم أو قريبا لزوجته أو صهرا لأحد الخصوم أو وكيلا له أو لزوجته في أعماله أو وصيا أو قيما أو مظنونا وراثته بعد موته، كما يجب ألا تكون بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو خصومة ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد الدعوى يقصد منعه من الإدلاء بقوله أو تقريره1.
وبانتهاء الكلام عن شهادة أهل الخبرة نكون قد فرغنا من عرض أهم وسائل الإثبات في الفقه الإسلامي، وقد رأينا أن هناك قسما قد اتفق الفقهاء على حجيته وهو الإقرار والشهادة، وقسما اختلفوا فيه وعرضنا فيه اليمين النكول عنه، وعلم القاضي، والقرائن والفراسة، والكتابة وشهادة الخبراء، وقبل أن أختم هذا البحث أرى أن أقرر بعض الحقائق المهمة:
الأولى: إن هذه الأدلة التي سقناها تدل على الحق غالبا، ولا يخلو دليل منها- متفق عليه أو مختلف فيه- من احتمال، ولكن هذا الاحتمال لا يمنع غالبا دلالتها على الحق، ولذا جعلها الشارع وسائل للإثبات لأن الحكم للكثير الغالب لا للقيل النادر.
الثانية: إنه لا يجوز التوصل إلى هذه الوسائل بطريق غير مشروع، ولابد للقاضي من التأكد من سلامة إجراءات حصوله على أي من هذه الأدلة ويظهر تقرير الفقه الإسلامي لقواعد سلامة إجراءات الوصول إلى الأدلة في أمرين:
(أ) عدم جواز تعذيب المتهمين للحصول على إقرارهم:
يرى ابن حزم أن الامتحان في الحدود وغيرها من الجرائم بالضرب وبالسجن أو التهديد لا يحل شرعا لأنه لم يرد بذلك قرآن ولا سنة ولا إجماع، بل قد منع الله تعالى من ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم