نظامُ الإثبَات في الفِقهِ الإسلاَمي دراسة مقارنة (5)
للدكتور عوض عبد الله أبو بكر أستاذ مساعد بكلية الشريعة
تأتي أهمية الكتابة لكونها وسيلة كبرى من وسائل المعرفة، وأداة هامة لتبليغ المعاني، وتقدم بما تقدم به الألفاظ في بيان المقاصد والأهداف. ولعله لا يخفى على عاقل أهمية الكتابة واعتماد الأمة عليها في دينها ودنياها.
فقد اعتمد خيار هذه الأمة وسلفها من الصحابة الكرام على الكتابة، فوافقوا مجتمعين على تدوين كتاب الله عز وجل الذي هو شرع هذه الأمة ودستورها. كما أن المصدر الثاني من التشريع وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نقل إلينا مكتوبا حفظته كتب السنن. وصدق الإمام ابن القيم رحمه الله حين قال: "ولو لم يعتمد على ذلك- أي الكتابة- لضاع الإسلام اليوم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس بأيدي الناس- بعد كتاب الله- إلا هذه النسخ الموجودة من السنن، وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ"1.
ومن عناية الشارع الكريم بالكتابة جعلها وسيلة لإثبات الحقوق، حيث أرشد المولى عز وجل إلى كتابة الحقوق في أطول آية في القرآن وهى آية الدين، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ....} الآية (البقرة: 282) .
فإذا كانت هذه الأمة قد أرشدت إلى كتابة الدين وأمرت بتوثيقه، لكون ذلك أحفظ