روى مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين"، وفي رواية أحمد: "إنما كان ذلك في الأموال" وروى الدارقطني في سننه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق" 3.
استناداً على هذه الأحاديث ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز القضاء بشاهد ويمين المدعي في المال، وما يؤول إلى المال من حقوق الأبدان كالنكاح والطلاق، ولا يحكم بذلك في القصاص والحدود.
وخالف أبو حنيفة وأصحابه وقالوا: "لا يحكم بشاهد ويمين إذ الآية الكريمة {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُم} (البقرة: 282) قد قصرت الإثبات في البينة على النحو المذكور، وحديث الشاهد واليمين زيادة على النص، والزيادة على النص تكون نسخا، وخبر الواحد لا ينسخ المتواتر"4.
وقد أورد الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أدلة الفريقين وانتصر لمذهب الجمهور قائلا: "جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية وأقل نصيب من إنصاف، فالحق أن أحاديث العمل بشاهد ويمين زيادة على ما دل عليه قوله تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ... } الآية وعلى ما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "شاهداك أو يمينه" غير منافية للأصل، فقبولها متحتم، وغاية ما يقال على فرض التعارض- وإن كان فرضا فاسدا- إن الآية والحديث المذكورين يدلان