ثالثا: النفس الأمارة:

وأما النفس الأمارة فهي المذمومة لأنها التي تأمر بكل سوء وهذا من طبيعتها إلّا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلّا بتوفيق الله له كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلمهم خطبة الحاجة «الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له» فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه وأعانه نجاه من ذلك كله.

قرين النفس المطمئنة:

وبعد أن تحدث- رحمه الله تعالى- عن صفات النفس الثلاث، تناول دور كل من الملك والشيطان في تأييد كل من النفس المطمئنة والنفس الأمارة فقال: امتحن الله سبحانه الإنسان بهاتين النفسين الأمارة واللوامة كما أكرمه بالمطمئنة، فهي إذا نفس واحدة تكون أمارة ثم لوامة ثم مطمئنة وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيّد المطمئنة بجنود عديدة فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه، ويريها حسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ورؤية أوليته في ذلك كله، ازداد مددها فتقوى على محاربة الأمارة، فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها الإيمان واليقين، فالجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ناظرة إليه، إن ثبت ثبتت وإن انهزم ولّت على أدبارها، ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره شعب الإيمان (الظاهرة) المتعلقة بالجوارح على اختلاف أنواعها كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الخلق والإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب كالإخلاص والتوكل والإنابة والتوبة والمراقبة والصبر والحلم والتواضع والمسكنة، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله، وتعظيم أوامر الله وحقوقه، والغيرة لله وفي الله، والشجاعة والعفة والصدق والشفقة والرحمة، وملاك ذلك كله الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص لأنه قد أقيم على الصراط المستقيم فيسار به وهو راقد، أما من حرم الصدق والإخلاص فقد قطعت عليه الطريق، واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلّا بعدا، وبالجملة فما كان لله وبالله فهو من جند النفس المطمئنة (?) .

قرين النفس الأمارة:

وأما النفس الأمارة فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها فهو يعدها ويمنيها ويقذف فيها الباطل ويأمرها بالسوء ويزيّنه لها ويطيل في الأمل ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها ويمدها بأنواع الإمداد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015