السّادسة والثّلاثون: أنّها سبب لتثبيت القدم على الصّراط، والجواز عليه، لحديث عبد الرّحمن بن سمرة الّذي رواه عنه سعيد بن المسيّب في رؤيا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفيه: «ورأيت رجلا من أمّتي يزحف على الصّراط ويحبو أحيانا ويتعلّق أحيانا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته» (?) .
السّابعة والثّلاثون: أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم أداء لأقلّ القليل من حقّه، مع أنّ الّذي يستحقّه لا يحصى علما ولا قدرة، ولا إرادة، ولكنّ الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقّه.
الثّامنة والثّلاثون: أنّها متضمّنة لذكر الله تعالى وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم قد تضمّنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله كما عرّفتنا ربّنا وأسماءه وصفاته، وهدانا الله بها إلى طريق مرضاته، وعرّفنا جلّ جلاله ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضمّنة لكلّ الإيمان، بل هي متضمّنة للإقرار بوجوب الرّبّ المدعوّ وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وحياته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلّها، وكمال محبّته، ولا ريب أنّ هذه هي أصول الإيمان، فالصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم متضمّنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبّته له، فكانت من أفضل الأعمال.
التّاسعة والثّلاثون: أنّ الصّلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم من العبد هي دعاء، ودعاء العبد وسؤاله من ربّه نوعان:
أحدهما: سؤاله حوائجه ومهمّاته وما ينوبه في اللّيل والنّهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه.
والثّاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره، ورفعه، ولا ريب أنّ الله تعالى يحبّ ذلك ورسوله يحبّه، فالمصلّي عليه صلّى الله عليه وسلّم قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محابّ الله ورسوله، وآثر ذلك على طلبه حوائجه ومحابّه هو، بل كان هذا المطلوب من أحبّ الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبّه الله ورسوله على ما يحبّه هو، فقد آثر الله ومحابّه على ما سواه، والجزاء من جنس العمل. فمن آثر الله على غيره، آثر الله على غيره.