لهجر القرآن مظاهر عديدة منها:
1- القول فيه بغير الحقّ، وهذا صنيع الكفّار الّذين حكي عنهم في قوله تعالى: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً.
قال القرطبيّ: أي قالوا فيه غير الحقّ من أنّه سحر أو شعر (?) .
وقال الطّبريّ: يعني قولهم فيه السّيّىء من القول، فقالوا غير الحقّ (?) .
2- الإعراض عن القرآن واللّغو فيه.
وقد ورد هذا المعنى في تفسير الآية السّابقة، يقول الطّبريّ: وذلك أنّ الله أخبر عنهم بأنّهم قالوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ (فصلت/ 26) وذلك هجرهم إيّاه (?) .
3- ترك تلاوة القرآن بالكلّيّة، وهذا المعنى قد أورده القرطبيّ في تفسير الآية الكريمة السّابقة عندما ذكر: وقيل معنى مهجورا «متروكا» وما جاء عن ابن عبّاس: «الّذي ليس فى جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» (الحديث رقم 2) .
4- نسيان القرآن بعد حفظه، وإلى هذا المعنى أشارت الآية الكريمة: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ... إلى قوله تعالى كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (طه/ 124- 126) .
5- ترك العمل بالقرآن، ودليل ذلك ما رواه أبو عبيدة عن أنس مرفوعا «القرآن شافع مشفّع وما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه قاده إلى النّار» (?) .
ومعنى أن يجعل الإنسان القرآن خلفه أن يهمل تلاوته أو العمل به.
يختلف حكم هجر القرآن باختلاف نوع الهجر، فإن كان الهجر بالإعراض عنه واللّغو فيه فهذا كفر صراح، وإن كان الهجر بمعنى التّرك المؤدّي إلى النّسيان بعد الحفظ فقد ذكر ابن حجر أنّه من الكبائر، وقال بأنّ ذلك هو ما ذهب إليه الرّافعيّ وغيره، ونقل عن بعض العلماء أنّ محلّ كون نسيان القرآن كبيرة عند من قال به مشروط بأن يكون عن تكاسل وتهاون، وهذا احتراز عمّا لو اشتغل عنه بمرض مانع من القراءة، وعدم التّأثيم بالنّسيان حينئذ واضح، لأنّه مغلوب عليه لا اختيار له فيه.
أمّا إذا كان الهجر متعلّقا بعدم العمل به فذلك معصية يتوقّف كونها كبيرة أو صغيرة على نوع المخالفة ذاتها، وأمّا إذا كان الهجر بمعنى ترك التّلاوة، فإن كان يقدر عليها ولم يفعل فهو كالبيت الخرب وإن لم يكن قادرا فإنّ الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها، هذا إلّا فيما تصحّ به صلاته فإنّه واجب على كلّ مسلم ولا يجوز تركه بحال (?) .