قال الإمام النّوويّ في شرحه على حديث مسلم: قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-: ما أولم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على امرأة من نسائه أكثر أو أفضل ممّا أولم على زينب» .
قال رحمه الله: «يحتمل أنّ سبب ذلك الشّكر لنعمة الله في أنّ الله تعالى زوّجه إيّاها بالوحي لا بوليّ وشهود بخلاف غيرها. ومذهبنا الصّحيح المشهور عند أصحابنا صحّة نكاحه صلّى الله عليه وسلّم بلا وليّ ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك في حقّه صلّى الله عليه وسلّم» (?) .
شرع الله تبارك وتعالى لعباده النّكاح لما فيه من الفوائد العظيمة والحكم الجسيمة، فمن ذلك: الإبقاء على النّوع الإنسانيّ، والتّحصّن من الشّيطان، وكسر التّوقان ودفع غوائل الشّهوة، وغضّ البصر وحفظ الفرج، وترويح النّفس وإيناسها بما أباحه الله لتقوى وتنشط على العبادة، ومجاهدة النّفس ورياضتها بالرّعاية والولاية والقيام بحقوق الأهل، والاجتهاد في كسب الحلال، والعناية بتربية الأولاد إلى غير ذلك من الفوائد والحكم والأسرار.
وقد جاءت الأدلّة الشّرعيّة مبيحة الجمع بين أربع نسوة ومحرّمة الزّيادة على ذلك لآحاد المؤمنين.
قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» .
قال ابن عبّاس وجمهور العلماء: إنّ المقام مقام امتنان وإباحة فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره» (?) .
ولمّا أسلم غيلان بن سلمة الثّقفيّ أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اختر منهنّ أربعا» (?) .
وقال الشّافعيّ رحمه الله: «دلّت سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المبيّنة عن الله أنّه لا يجوز لأحد غير رسول الله أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة» .
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الّذي قاله الشّافعي مجمع عليه بين العلماء» (?) . فهذا الحكم من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الّتي انفرد بها دون غيره من الأمّة، ولا خلاف بين العلماء أنّه توفّي صلّى الله عليه وسلّم عن تسع نسوة؛ سودة بنت زمعة القرشيّة،