قال القرطبيّ: إذا غلّ الرّجل في المغنم ووجد (ما غلّه) أخذ منه وأدّب وعوقب بالتّعزير، واختلف الفقهاء في حرق متاعه فذهب مالك والشّافعيّ وأبو حنيفة واللّيث إلى أنّ متاعه لا يحرق وقال الأوزاعيّ: يحرق متاع الغالّ كلّه إلّا سلاحه وثيابه الّتي عليه وسرجه ولا يحرق الشّيء الّذي غلّه «1» ، وهذا قول أحمد وإسحاق، وقاله الحسن أيضا «2» ، واستدلّ أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يحرق متاع الرّجل الّذي أخذ الشّملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الّذي ترك الصّلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث، واحتجّ أصحاب الرّأي الثّاني بما روي من أنّ أبابكر وعمر رضي الله عنهما- ضربا الغالّ وأحرقا متاعه، وبما رواه أبو داود والتّرمذيّ عن صالح بن محمّد بن زائدة يرفعه إلى عمر بن الخطّاب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا وجدتم الرّجل قد غلّ فأحرقوا متاعه واضربوه» «3» ، وقد أجاب أصحاب الرّأي الأوّل بأنّ ما روي عن عمر- رضي الله عنه- لا يحتجّ به لأنّ من رواته صالح بن محمّد وهو ضعيف لا يحتجّ بما يرويه، وقد قال عنه الإمام البخاريّ: هو منكر الحديث، قال القرطبيّ: وهو عندنا (أي ما رواه صالح) حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم، لما يعارضه من الآثار (والأحاديث) الّتي هي أقوى منه، وما ذهب إليه مالك (وأصحاب الفريق الأوّل) أصحّ من جهة النّظر وصحيح الأثر «4» ، هذا ولا يصحّ أيضا ما رواه بعضهم عن قتله (أي الغالّ) لأنّ دم المسلم لا يحلّ إلّا بإحدى ثلاث ليس منها الغلول، وبما رواه جابر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع» وإذا انتفى عنه القطع فالقتل أولى (بأن ينتفي) «5» .
[للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الخيانة- السرقة- الغش- التطفيف- التناجش.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: أكل الطيبات- الأمانة- العفة- النزاهة- القناعة- التقوى] .
1- وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) «6»