بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا والله ما كنت أظنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت وإن كنت قد أبليت فلطا لما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت، فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه ذلك بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماش ما حييت لمنكر ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى مثلي
43-* (قال الأمير الصّنعانيّ:
القلب أعلم يا عذول بدائه ... ما غير داء الذّنب من أدوائه
والذّنب أولى ما بكاه أخو التّقى ... وأحقّ منك بجفنه وبمائه
فومن أحبّ لأعصينّ عواذلي ... قسما به في أرضه وسمائه
من ذا يلوم أخا الذّنوب إذا بكى ... إنّ الملامة فيه من أعدائه
44-* (قال الشّاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإنّ الذّنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة ربّ العباد ... فربّ العباد سريع النّقم
وإيّاك والظّلم مهما استطعت ... فظلم العباد شديد الوخم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصر آثار من قد ظلم
) * (?) .
45-* (وقال شاعر آخر:
اعتبر يأيّها المغرور بالعمر المديد
أنا شدّاد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد
وأخو القوّة والبأ ... ساء والملك الحشيد