وكذلك تدخل الشرع في آداب النوم والجلوس والمشي والسفر وفصل أحكام ذلك وأدخل الجميع في جملة الشريعة الإسلامية. هذا وإن مما يدل على كمال هذه الشريعة اشتمالها على الحث والترغيب في الأخلاق الشريفة والآداب الرفيعة وتنفيره عن أضدادها. فقد رغب في الصدق مع الله ومع عباده فهو السمة العالية التي يحبها كل عاقل من مسلم وكافر ويثق الجمهور بأهل الصدق ويحسنون معاملتهم ومعاشرتهم، كما جاء بالزجر عن الكذب وجعله من سمات أهل النفاق الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وهكذا أمر بالصبر على أداء العبادات وإن ثقلت على بعض النفوس، وأفاد أن الأجر على قدر النّصب، ونهى عن إعطاء النفس ما تميل إليه بمجرد طبعها من الإخلاد إلى الراحة والكسل، وحثّ على قمع النفوس عن تعاطى المحرمات شرعا وبيّن أن صبر النفس عن ميلها إليها فيه ثواب كبير لمن جاهد نفسه وصبر عن تناول ما حرم ربه عليه، كما أن ربنا تعالى جعلنا في هذه الدار عرضة للأخطار والمصائب ابتلاء منه واختبارا ليظهر من يرضى ويسلم ويصبر على أقدار الله، ممن يجزع وتضعف نفسه عن تحمل الصبر والاحتساب، فوعد الصابرين بالأجر الكبير والثواب العظيم بخلاف من جزع ودعا بالويل والثبور فإنه مع فوات أجر المصيبة لا يفيده جزعه ولا يرد فائتا.
وهكذا جاء الإسلام أيضا بإباحة متع الدنيا مع الاقتصاد في ذلك، مما يدل على كماله وتدخله في شئون الناس ومعاملاتهم لبيان الهيئة الرفيعة من أنواع اكتساب المال وإنفاقه، فحثّ على الحرف والصناعات واكتساب المال من وجوهه المباحة للتعفف عن سؤال الناس، وإظهار الفاقة أمامهم مما يضعف النفس ويسقط الهيبة. كما حثّ على القناعة بما رزق الله العبد من ضيق أو سعة، وأخبر بأن الغنى غنى النفس وأن ما أخذ بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذ بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وأوضح أن اليد العليا خير من اليد السفلى، ونحو ذلك من الشيم الرفيعة التي تبعث في النفوس الرضا عن الله في ما وهبه للعبد من سعة أو ضيق ويكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده فلا يستكثر ما قدمه لأخيه وأعطاه لفقير، أو محتاج أو وهبه لابن سبيل، أو في سبيل الله حيث أيقن بأن ربه يحب منه ذلك وأنه يخلفه له بخير منه عاجلا أو آجلا، فهان عليه ما بذله لله من صدقة وصلة رحم وقرى ضيف ووقف على جهة بر ونحو ذلك من صفات أهل الكرم والسخاء، والجود بما في اليد ثقة بالله وطواعية له بل إنه قد يواسي بما في يده أو يؤثر على نفسه كما وصف الله تعالى حال الأنصار وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ، ولكنه جاء مع ذلك بالحث على الاقتصاد وشدد في ذم المسرفين وأهل التبذير وإفساد المال وإنفاقه في الباطل أو فيما لا فائدة فيه وأخبر بأن المبذرين إخوان الشياطين، والمراد البذل في الحرام أو ما هو ضار قادح في الدين أو التعدي في الإنفاق في الشهوات والملذات فوق الحاجة مما يتضمن الإتلاف للأموال في غير طريقها. وهكذا جاء الشرع الشريف مرغّبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات؛ فحثّ على اختيار الرفقاء الصالحين، ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر، كما أن القصد الأعلى من هذا الاختلاط نصحهم عموما، وهدايتهم إلى سبل السلام، ودلالتهم على كل ما يعود عليهم بمصلحة في دينهم ودنياهم، وإعانتهم على البر والتقوى، وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن المنكرات شرعا وعرفا، وهكذا جاءت الشريعة بالشفقة على الخلق ورحمتهم وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله وإذا