العبادات. فكلّ ما اخترع من الطّرق في الدّين ممّا يضاهي المشروع ولم يقصد به التّعبّد فقد خرج عن هذه التّسمية. كالمغارم الملزمة على الأموال وغيرها على نسبة مخصوصة وقدر مخصوص ممّا يشبه فرض الزّكوات ولم يكن إليها ضرورة. وكذلك اتّخاذ المناخل وغسل اليد بالأشنان وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لم تكن قبل.

إنّ البدعة في عموم لفظها يدخل فيها البدعة التّركيّة، كما يدخل فيها البدعة غير التّركيّة، فقد يقع الابتداع بنفس التّرك تحريما للمتروك أو غير تحريم، فإنّ الفعل مثلا قد يكون حلالا بالشّرع فيحرّمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصدا، فهذا التّرك إمّا أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعا أو لا، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه، إذ معناه أنّه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب تركه، كالّذي يحرّم على نفسه الطّعام الفلانيّ من جهة أنّه يضرّه في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك، فلا مانع هنا من التّرك: فإن قلنا بطلب التّداوي للمريض فإنّ التّرك هنا مطلوب، وإن قلنا بإباحة التّداوي، فالتّرك مباح، فهذا راجع إلى أنّ العزم على الحمية ليس من المضرّات. وأمّا إن كان التّرك تديّنا فهو الابتداع في الدّين على كلتا الطّريقتين، إذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار التّرك المقصود معارضة للشارع في شرع التّحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (المائدة/ 87) ، فنهى أوّلا عن تحريم الحلال. ثمّ جاءت الآية تشعر بأنّ ذلك اعتداء لا يحبّه الله. لأنّ بعض الصّحابة همّ أن يحرّم على نفسه النّوم باللّيل، وآخر الأكل بالنّهار، وآخر إتيان النّساء، وبعضهم همّ بالاختصاء، مبالغة في ترك شأن النّساء. وفي أمثال ذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«من رغب عن سنّتي فليس منّي» . فإذا كلّ من منع نفسه من تناول ما أحلّ الله من غير عذر شرعيّ فهو خارج عن سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. والعامل بغير السّنّة تديّنا هو المبتدع بعينه. (فإن قيل) فتارك المطلوبات الشّرعيّة ندبا أو وجوبا، هل يسمّى مبتدعا أم لا؟ (فالجواب) أنّ التّارك للمطلوبات على ضربين: (أحدهما) أن يتركها لغير التّديّن إمّا كسلا أو تضييعا أو ما أشبه ذلك من الدّواعي النّفسيّة. فهذا الضّرب راجع إلى المخالفة للأمر، فإن كان في واجب فمعصية، وإن كان في ندب فليس بمعصية، إذا كان التّرك جزئيّا، وإن كان كلّيّا فمعصية حسبما تبيّن في الأصول.

(والثّاني) أن يتركها تديّنا. فهذا الضّرب من قبيل البدع حيث تديّن بضدّ ما شرع الله، ومثاله أهل الإباحة القائلين بإسقاط التّكاليف إذا بلغ السّالك عندهم المبلغ الّذي حدّوه (?) .

[للاستزادة: انظر صفات: اتباع الهوى- الحكم بغير ما أنزل الله- القدوة السيئة- التفريط والإفراط- الغلو.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاتباع- الأسوة الحسنة- الاعتصام- الإيمان- الإسلام- الحكم بما أنزل الله] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015