فبالاعتقاد يخرج الشّك، وبالجازم يخرج الظّنّ، وبالمطابق يخرج الجهل، وبالثّابت يخرج اعتقاد المقلّد (?) .
وقال الجرجانيّ: اعتقاد الشّيء بأنّه كذا مع اعتقاد أنّه لا يمكن إلّا كذا مطابقا للواقع غير ممكن الزّوال (?) .
الفرق بين التّصديق والإيقان: أنّ اليقين قد يكون ضروريّا والتّصديق اختياريّ إذ قد يحدث اليقين ولا يحدث التّصديق وذلك كمن شاهد معجزة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يصدّق به، هذا في الدّنيا، أمّا في الآخرة فإنّ التّصديق يكون مقدّما على اليقين إذ لا يحدث اليقين بأحوال الآخرة إلّا بتصديق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما أخبر به عن ربّه في ذلك (?) . وقد يذكر اليقين بمعنى التّصديق (الإيمان) للمناسبة بينهما (?) .
سبق أن ذكرنا أنّ الظّنّ قد يعبّر عنه باليقين وأنّ اليقين قد يعبّر عنه بالظّنّ، وقد نقل عن مجاهد قوله:
كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين وهذا مشكل في كثير من الآيات، وقد ذكر المحقّقون ضوابط لتحديد المراد بالظّنّ.
أحدها: أنّه حيث وجد الظّنّ محمودا مثابا عليه فهو يقين وحيث وجد مذموما متوعّدا عليه بالعذاب فهو الشّكّ. (وهذا من جهة المعنى) .
الثّاني: أنّ كلّ ظنّ يتّصل به أن (المخفّفة من الثّقيلة) فهو شكّ وكلّ ظنّ يتّصل به أنّ المشدّدة فهو يقين (?) .
قال ابن القيّم- رحمه الله-: ومن منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (الفاتحة/ 5) منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين. ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى:- وبقوله يهتدي المهتدون-، وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال- وهو أصدق القائلين- وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ الذاريات/ 20) وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: ... وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة/ 4- 5) وأخبر عن أهل النّار: بأنّهم لم يكونوا من أصحاب اليقين، فقال عزّ من قائل: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ