الصّدر بلذّة عاجلة، وقيل: لذّة القلب لنيل المشتهى (?) .
جاء «الفرح» في القرآن الكريم على نوعين:
مطلق ومقيّد.
فالمطلق: جاء في الذّمّ. كقوله تعالى إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (القصص/ 76) ، وقوله إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (هود/ 10) .
والمقيّد: نوعان أيضا: مقيّد للدّنيا. ينسي صاحبه فضل الله ومنّته، فهو مذموم، كقوله تعالى حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (الأنعام/ 44) .
والثّاني: مقيّد بفضل الله ورحمته. وهو نوعان أيضا:
فضل ورحمة بالسّبب، وفضل بالمسبّب. فالأوّل: كقوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس/ 58) والثّاني: كقوله تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (آل عمران/ 170)
فالفرح بالله، وبرسوله، وبالإيمان، وبالسّنّة، وبالعلم، وبالقرآن: من أعلى مقامات الدّين. قال الله تعالى وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (التوبة: 124) . وقال: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (الرعد: 36) . فالفرح بالعلم والإيمان والسّنّة: دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبّته له، وإيثاره له على غيره. فإنّ فرح العبد بالشّيء عند حصوله له: على قدر محبّته له، ورغبته فيه. فمن ليس له رغبة في الشّيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواته. فالفرح تابع للمحبّة والرّغبة. والفرق بينه وبين الاستبشار: أنّ الفرح بالمحبوب بعد حصوله، والاستبشار: يكون به قبل حصوله. إذا كان على ثقة من حصوله، ولهذا قال تعالى: فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ (آل عمران/ 170) . والفرح: صفة كمال.
ولهذا يوصف الرّبّ تعالى بأعلى أنواعه وأكملها، كفرحه بتوبة التّائب أعظم من فرحة الواجد لراحلته الّتي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة بعد فقده لها، واليأس من حصولها. والمقصود: أنّ «الفرح» أعلى نعيم القلب، ولذّته وبهجته. والفرح والسّرور نعيمه. والهمّ والحزن عذابه. والفرح بالشّيء فوق الرّضا به. فإنّ الرّضا طمأنينة وسكون وانشراح.
والفرح لذّة وبهجة وسرور (?) .
من الفرح ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، فالمذموم ما كان مطلقا غير مقيّد، وهو الّذي يورث الأشر والبطر، والممدوح ما كان مقيّدا بفضل الله ورحمته، ومن ذلك الفرح بالعلم والإيمان والسّنّة.