وقال الجرجانيّ: الصّوم في الشّرع عبارة عن إمساك مخصوص وهو الإمساك عن الأكل والشّرب والجماع من الصّبح إلى المغرب مع النّيّة (?) .
قال ابن القيّم- رحمه الله- (في الصّوم) : هو لجام المتّقين، وجنّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرّبين، وهو لربّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصّائم لا يفعل شيئا، وإنّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النّفس وتلذّذاتها؛ إيثارا لمحبّة الله ومرضاته، وهو سرّ بين العبد وربّه لا يطّلع عليه سواه، والعباد قد يطّلعون منه
على ترك المفطرات الظّاهرة، وأمّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطّلع عليه بشر، وتلك حقيقة الصّوم.
وللصّوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظّاهرة، والقوى الباطنة، وحمايتها من التّخليط الجالب لها الموادّ الفاسدة الّتي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ الموادّ الرّديئة المانعة لها من صحّتها، فالصّوم يحفظ على القلب والجوارح صحّتها، ويعيد إليها ما استلبته (?) منها أيدي الشّهوات، فهو من أكبر العون على التّقوى، كما قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة/ 183) (?) .
وللصّوم ثلاث مراتب: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. فأمّا صوم العموم فهو: كفّ (?) البطن والفرج عن قضاء الشّهوة.
وأمّا صوم الخصوص: فهو كفّ النّظر، واللّسان، واليد، والرّجل، والسّمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام.
وأمّا صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم (?) الدّنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفّه عمّا سوى الله تعالى بالكلّيّة (?) .
وأفضل صوم التّطوّع: صوم داود- عليه السّلام- كان يصوم يوما ويفطر يوما. ومن أسرار ذلك النّوع من الصّيام: أنّ النّفس تعطى يوم الفطر حظّها، وتستوفي في يوم الصّوم تعبّدها، وفي ذلك جمع بين مالها وما عليها. وهو العدل.
وإنّما سمّي الصّيام صبرا؛ لأنّ الصّبر في كلام العرب الحبس، والصّائم يحبس نفسه عن أشياء جعل الله تعالى قوام بدنه بها.
وقال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ في الصّوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى الله- عزّ وجلّ- حيث يقول سبحانه في الحديث القدسيّ:
«الصّوم لي وأنا أجزي به» . وكفى بهذه الإضافة شرفا