آخر المطاف لا تخرج إلى صعيد عرفات لتقف مع الناس للحج، بل تقف في مزدلفة، متميّزة عن غيرها من بقية القبائل «وكانوا لا يسلئون ولا يأقطون ولا يرتبطون عنزا ولا بقرة، ولا يغزلون صوفا ولا وبرا، ولا يدخلون بيتا من الشّعر والمدر، وإنما يكتنّون بالقباب الحمر في الأشهر الحرم، ثم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، وأن يتركوا ثياب الحل ويستبدلوها بثيات الحرم إما شراء وإما عارية وإما هبة، فإن وجدوا ذلك فبها، وإلّا طافوا بالبيت عرايا، وفرضوا على نساء العرب مثل ذلك. وهكذا فقد شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله مع أنهم كانوا يزعمون بأنهم إنما يسيرون وفق شريعة إبراهيم عليه السلام.
أما تصوراتهم عن الله سبحانه وتعالى فقد كان يعتورها القصور والنقص فهم ينحرفون عن الطريق القويم في جملة أمور أساسية في العقيدة، فقد اتخذوا أصناما لهم في كل بيت، يعبدونها ويتمسحون بها عند سفرهم وعند قدومهم ولذلك فإنهم عابوا التوحيد وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (?) .
وروى الشيخان أن عمرو بن عامر الخزاعي كان أول من سيّب السوائب (?) ، وأورد ابن كثير عددا من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن عمرو بن لحيّ كان أول من غيّر دين إبراهيم عليه السلام، فنصب الأوثان، وبحّر البحيرة، وسيّب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحامي، فاتّبعته العرب فضلوا ضلالا بعيدا (?) .
وقد أنكر الله تعالى عليهم ذلك في أكثر من آية فقال عزّ وجلّ: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ (?) .
ذلك أنهم يشركون بالله فلا يوحدونه بل إنهم يلحدون في أسمائه سبحانه وصفاته (?) ، فيسمونه بأسماء لا توقيف فيها، أو بما يوهم معنى فاسدا، وينكرون بعض صفاته سبحانه، وينسبون إليه النقائص كالحاجة والولد فزعموا أن الملائكة بناته (?) ، والجن شركاؤه (?) ، وجحدوا القدر، وقالوا- كما في القرآن الكريم على ألسنتهم-:
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ (?) .
وأنكروا القيامة والبعث والنشور والدار الآخرة والحساب والجنة والنار، رغم إقرارهم بالربوبية وقسمهم