وحسن شمائله، وبدائع سيره، وحكم حديثه، وعلمه مما في التوراة والإنجيل والكتب المنزلة، وحكم الحكماء، وسير الأمم الخالية وأيامها وضرب الأمثال وسياسات الأنام، وتقرير الشرائع، وتأصيل الآداب النفسية، والشيم الحميدة إلى فنون العلوم، التي اتخذ أهلها كلامه عليه السلام فيها قدوة، وإشاراته حجة، كالعبادة والطب والحساب والفرائض والنسب، وغير ذلك.. دون تعليم ولا مدارسة، ولا مطالعة كتب من تقدم، ولا الجلوس إلى علمائهم، بل نبي أمي لم يعرف بشيء من ذلك حتى شرح الله صدره، وأبان أمره وعلمه وأقرأه.. وبحسب عقله كانت معارفه صلّى الله عليه وسلّم إلى سائر ما علمه الله تعالى، وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان من عجائب قدرته وعظيم ملكوته» (?) .
وهذا شرط آخر في القدوة، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم متمثلا هذا، فقد أمره ربه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (?) . وما يروى عنه صلّى الله عليه وسلّم يدل على هذا دلالة واضحة (?) ، والمقتدي به إن لم يكن متحليا بهذه الصفات أو الشمائل فقد كثيرا من مؤهلاته التي يتمكن عن طريقها من احتواء انفعالات الناس، وهذا شرط ضروري كي يؤثر في الناس، أو يتأثر به الناس.
كان صلّى الله عليه وسلّم لا يبارى في هذه الصفات، وبهذا وصفه كل من عرفه، ويروى عنه أنه كان «أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس» (?) .
وقد كان صلّى الله عليه وسلّم منهما «بالمكان الذي لا يجهل، وقد حضر المواقف الصعبة، وفر الكماة والأبطال عنه غيره مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولا يتزحزح، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه» (?) .
وإذا كان القدوة يدعو إلى صفات مثل هذه، فلا بد وأن تكون فيه متمثلة، وهاتان الصفتان أساسيتان في القدوة، لأنها إذا ما توفرت فيه، كان قادرا على ترجمة القيم إلى سلوك، واعتراض ما يواجهه من صعاب في تأدية مهامه، إنهما أساسيتان لأي قدوة.