على الإنسان في الدّنيا.
فتحذيره صلّى الله عليه وسلّم هذا التّحذير البالغ من دخول الرّجال على النّساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبويّ على أنّ قوله تعالى: فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ عامّ في جميع النّساء- كما ترى-. إذ لو كان حكمه خاصّا بأزواجه صلّى الله عليه وسلّم، لما حذّر الرّجال هذا التّحذير البالغ العامّ من الدّخول على النّساء، وظاهر الحديث التّحذير من الدّخول عليهنّ ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدّخول عليهنّ، والخلوة بهنّ كلاهما محرّم تحريما شديدا بانفراده، كما قدّمنا أنّ مسلما (رحمه الله) أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبيّة والدّخول عليها فدلّ على أنّ كليهما حرام.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث المذكور: إيّاكم والدّخول، بالنّصب على التّحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرّز عنه- كما قيل:
إيّاك والأسد.
وتقدير الكلام اتّقوا أنفسكم أن تدخلوا على النّساء، وتضمّن منع الدّخول منع الخلوة بها بطريق الأولى.
4-* وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: (يرحم الله نساء المهاجرات الأوّل، لمّا أنزل الله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها) (?) . وعن صفيّة بنت شيبة: (أنّ عائشة- رضي الله عنها- كانت تقول:
لمّا نزلت هذه الآية وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ أخذن أزرهنّ فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها. انتهى من صحيح البخاريّ (?) . قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن: أي غطّين وجوههنّ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التّقنّع.
قال الفرّاء: كانوا في الجاهليّة تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدّامها فأمرن بالاستتار (?) .
انتهى محلّ الغرض من فتح الباري. وهذا الحديث الصّحيح صريح في أنّ النّساء الصّحابيّات المذكورات فيه فهمن أنّ معنى قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ يقتضي ستر وجوههنّ، وأنّهنّ شققن أزرهنّ، فاختمرن أي سترن وجوههنّ بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالى:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ المقتضي ستر وجوههنّ، وبهذا يتحقّق المنصف: أنّ احتجاب المرأة عن الرّجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السّنّة الصّحيحة المفسّرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة- رضي الله عنها- على تلك النّساء بمسارعتهنّ لامتثال أوامر الله في كتابه. ومعلوم